((وَالضُّحَى))، أي قسماً بالضحى، وهو وقت ارتفاع الشمس في كبد السماء بحيث يعم نورها، والواو في مثل هذه المواضـع استينافية لتمليح الكلام وتوحيد السياق.
((وَاللَّيْلِ))، أي قسماً بالليل ((إِذَا سَجَى))، أي سكن واستقر ظلامه، فان "السجو" بمعنى السكون.
((مَا وَدَّعَكَ)) يا رسول الله ((رَبُّكَ))، أي ما ترى عند الوحي توديعا لك بأن يكون كالمفارق الذي يودع صديقه، ((وَمَا قَلَى))، أي ما قلاك، بمعنى ما أبغضك، فإن القلى بمعنى المبغض. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن جبرائيل أبطأ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه كانت أول سورة نزلت (اقرأ بسم ربك الذي خلق)، ثم أبطأ عليه، فقالت خديجة: "لعل ربك قد تركك فلا يرسل اليك؟" فأنزل الله تبارك وتعالى "ما ودعك ربه وما قلى".
((وَلَلْآخِرَةُ))، "اللام" للتأكيد، ((خَيْرٌ لَّكَ)) يا رسول الله ((مِنَ الْأُولَى))، أي الدنيا، فقد أعد لك الخير هناك، فكيف يتركك ويقلاك في منتصف الطريق؟
((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ)) يا رسول الله في الآخرة ((رَبُّكَ)) بما تشاء ((فَتَرْضَى)) من كثرة فضله وإحسانه، ومن جملة ما يعطى (صلى الله عليه وآله سلم) الشفاعة - كما لا يخفى.
ثم أخذ السياق يعدد بعض نعم الله سبحانه عليه سابقا يؤكد إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الآن في وسط الطريق بين نعمة سبقت ونعمة تأتي فكيف يقلاه بعد ذلك؟ ((أَلَمْ يَجِدْكَ)) الله ((يَتِيمًا)) قد مات أبوك ((فَآوَى))؟ أي آواك، وأعطاك مأوى ومنزلا وعشيرة تأوي إليهم، في حين أن اليتيم كان ذليلا مهانا لدى أهل الجاهلية؟
((وَوَجَدَكَ)) يا رسول الله ((ضَالًّا)) قد تفردت في أناس جاهليين كالشيء الثمين الذي يضل في صحراء مقفرة ((فَهَدَى)) الناس إليك؟ فأخرجك به عن الوحشة والتفرد حيث لا يهتدي إليه الناس.
((وَوَجَدَكَ)) الله ((عَائِلًا))، أي فقيرا لا مال لك ((فَأَغْنَى)) أغناك بالمال، كمال خديجة (عليها السلام) وغيره.وإذ قد ذاق الرسول مرارة اليتم والضلال والفقر، فليحن على البائسين، ويعطف على المنكوبين. ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ))، أي لا تقهره يا رسول الله بأن تزعجه وتظلمه، والرسول وإن كان منزها عن ذلك لكن الأوامر والنواهي شاملة له كشمولها لغيره من سائر المكلفين.
((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ)) التي أنعمها عليك، والمراد بها جنس النعمة - ومن أعظمها الهداية - ((فَحَدِّثْ)) للناس، حتى تُظهر فضله سبحانه فإنه بالإضافة إلى كونه شكراً، تعليم للناس بأن لا يستروا النعم، كما جرت عادة الكثيرين، بأن يذكروا نواقص حياتهم، ولا يذكرون فواضله سبحانه عليهم.